في مَدِيْنَةِ الْمُرْجانِ كانَ يَعِيشُ الأَمِيرُ عُمَرُ وَزَوْجَتَهُ وَوَالَداهُ حامِدٌ وَصالِحٌ.
ذاتَ يَوّمِ رَبيعٍ، خَرَجَ الأَمِيرُ وَعائِلَتُهُ لِلتَّنَزُّهِ فِي الْحُقُولِ وَالتَّمَتُّعِ بِالْمَناظِرِ الْجَمِيلَةِ.
على ضَفَّةِ النَّهْرِ، كانَ الصَّغِيرانِ حامِدٌ وَصالِحٌ يَرْكُضانِ فَرِحَيْنِ بِأَشِعَّةِ الشَّمْسِ الْمُنْعِشَةِ، وَفَجْأَةً تَعَثَّرَ حَامِدٌ بِحَجَرٍ أَمامَهُ وَسَقَطَ في النَّهْرِ. حاوَلَ صَالِحٌ أَنْ يَمْسِكَ بِهِ فَسَقَطَ هُوَ الآخَرُ. صَرَخَتِ الأَميرَةُ وَرَكَضَ الأَمِيرُ لإِنْقاذِهِما لكِنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ، لأَنَّ مِياهَ النَّهْرِ كانَتْ غَزِيرَةً جِدًا فَكُلَّما اقْتَرَبَ الأَمِيرُ مِنْهُما، أَبْعَدَتْهُما الْمِياهُ أَكْثَرَ، وَلَمْ يَعُدْ يَراهُما، فَظَنَّ انَّهُما ماتا.
بَكى الأَمِيرُ وَزَوْجَتُهُ عَلَيْهما كَثِيرًا، وَعادا إِلى الْقَصْرِ وَالْحُزْنُ وَالأسى يَمْلأُ قَلْبَيْهِما، وَلَمْ يَعُدْ يُبْهِجُهُما شَيءْ.
أَمّا حَامِدٌ وَصالِحٌ فَقَدْ حَمَلَتْهُما الْمِياهُ بَعِيدًا، وَوَصَلا إِلى بُسْتانٍ. رآهُما فَلاَّحٌ كانَ يَسْقِي الأَشْجارَ، فَأَنْقَذَهُما وَحاوَلَ أَنْ يَعْرِفَ مَنْ هما لكِنَّ الصَّغِيرَين لا يَعْرِفانِ إِلاَّ اسْمَيْهِما، فاشفَقَ عَلَيْها وَأَخَذَهُما إِلى بَيْتِهِ.
فَرِحَتِ الزَّوْجَةُ بِهِما وَشَكَرَتِ الله عَلى هَذِهِ الْهَدِيَّةِ الثَّمِينَةِ الّتِي بَعَثَها لَها.
فَطُوْلَ عُمْرها تَمَنَّتْ أَنْ يَرْوُقََها بِوَلَدٍ، وَها هُو يَبْعَثُ لَها اثْنَيْنِ! اعْتَنَى الفَلاَّحُ وَزَوْجَتُهُ بِالْوَلَدَيْنِ وَرَبَّيَاهُما أَفْضَلَ تَرْبِيَةٍ، وَلَمْ يَبْخَلا عَلَيْهِما بِشَيْءٍ.
في أَحَدِ الأَيَّامِ سَمِعَ حامِدٌ وَصالِحٌ مِنْ أَصْدِقائِهِما أَنَّهُ سَتُقَامُ بِمُناسَبَةِ الْعيدِ حَفْلَةٌ كَبِيرَةٌ فِي مَدينَةِ الْمُرْجانِ. فاسْتَأْذَنا وَالِدَهُما الفَلاَّحُ وَسافر إِلى مَدينَةِ المُرْجانِ الّتي ُزيِّنَتْ شَوارِعُها وَبُيُوتُها بِأَجْمَلِ الزِّينَةِ وَالأَلْوانِ، وَازْدَحَمَتْ ساحاتُها وَأَسْوَاقُها بِالنَّاسِ اْْلفَرِحينَ بِقُدُومِ الْعِيدِ. وَبَيْنَما هُما يَتَجَوَّلانِ، سَمِعا جَماعَةً مِنَ النَّاسِ يَتَحَدَّثونَ عَنْ حُزْنِ الأَمِيرِ وَكَآبَتِهِ، وَيُشِيرُونَ إِلى مَكانٍ يَجْلِسُ فِيهِ مَعَ حاشِيَتِهِ، لِيُهَنِّئَ أَهْلَ الْمَدينَةِ بِالعِيدِ، وَعَنْ زَوْجَتِهِ الّتِي لا تُفارِقُ غُرْفَتَها مِنْ شِدَّةِ حُزْنِها على وَلَدَيْها.
تَأَثَّرَ صَالِحٌ وَحامِدٌ بِقِصَّةِ الأَميرِ عُمَرَ، وَقَرَّارا أَنْ يُدْخِلا الْبِهْجَةَ إِلى قَلْبِهِ، فَذَهَبا حَيْثُ يَجْلِسُ، وَراحا يُداعِبانِهِ وَيُلاطِفانِهِ، يُقَلِّدانِ أَصْواتَ الْحَيَواناتِ وَحَركاتِها، كَمُهَرِّجَيْنِ رَائعيْنِ، حَتَّى اْنفَرَجَتْ أَسارِيرُهُ، فَأَعْجَبَتْهُ خِفَّةُ دَمِهِما وَحَنَّ قَلْبُهُ لَهُما، وَنادَى عَلَيْهِما وَأَرادَ مُكافأَتَهُما.
بَعْدَ أَن سَمِعَ اسْمَيْهما، خَفَقَ قَلْبُهُ بِشِدَّةٍ، وَتَذَكَّرَ وَلَدَيْهِ حامِداً وَصالِحًا اللَّذَيْنِ غَرِقا في النَّهْرِ قَبْلَ سِنين، فَهُما الآن في عُمْرِهِما، فَسَأَلَهُما عَنْ وَالدِهِما وَأَمَرَ بِإِحْضارِهِ.
حَضَرَ الفَلاَّحُ وَهُوَ مُسْتَغْرِبٌ لِدَعْوَةِ الأَمِيرِ. وَبَعْدَ أَنِ اسْتَقبَلَهُ الأَمِيرُ وَأَكْرَمَهُ، اسْتَدعاهُ لِمَجْلِسِهِ وَسَأَلَهُ:
- ((أَيُّها الْفَلاَّحُ، هَلْ هذانِ الْوَلَدانِ هُما وَلَداكَ؟))
خَغَقَ قَلْبُ الْفَلاَّحِ وَأَجابَ بِخَوْفٍ:
-(( أَجَلْ أَيُّها الأَمِيرُ. هَلْ فَعَلا شَيْئًا أَغْضَبَكَ؟))
-(( لا، لا أَيُّها الْفَلاَّحُ، عَلى العَكْسِ. لَقَدْ أَعادا الْفَرْحَةَ إِلى قَلْبِي، لِذلِكَ سَأَطْلُبُ مِنْكَ طَلَباً أَرْجُو أَنْ تُوافِقَ عَلَيْهِ)).
-((خَيْرٌ أَيُّها الأَمِيرُ، ما هُوَ طَلَبُكَ؟))
-((أَنا، أَيُّها الفَلاَّحُ، كانَ لِي وَلَدانِ وَهُما اليَوْمَ فِي عَمْرِ وَلَدَيْكَ الآنَ، وَذَاتَ يَوْمٍ أَخَذَهُما النَّهْرُ وَلَمْ يَرْجِعا، فَهَلْ تُوافِقُ أَنْ يَبْقَيا عِنْدِي فَتْرَةً مِنَ الزَّمَنِ؟))
-((لا أُريدُ أَنْ أَرْفُضَ طَلَبَكَ أَيُّها الأَميرُ، وَلكِنْ حامِدٌ وَصَالِحٌ أَمانَةٌ عِنْدِي وَلا أَسْتَطِيعُ أَن أُهْمِلَ الأَمانَةَ)). أَجابَ الْفَلاَّحُ بِحَيْرَةٍ.
-((أَمانَةٌ عِنْدَكَ؟!))
سَأَلَ الأَمِيرُ بِتَعَجُّبٍ وَدَهْشَةٍ.
فَقَصَّ الفَلاَّحُ عَلى الأَمِيرِ قِصَّةَ الْوَلَدَيْنِ وَكَيْفَ أَنْقَذَهُما وَحَافَظ عَلَيْهِما حَتَّى يَسْأَلَ عَنْهُما أَحَدٌ، فَهُما أَمانَةٌ عِنْدَهُ.
دَهِشَ الأَمِيرُ وَكادَ لا يُصَدِّقُ ما يَسْمَعُ وَقالَ بِصَوْتٍ أَشْبَهَ بِالصُّراخِ:
-(( هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَحْدُثَ هذا، أَوْلادِي أَمامِي بَعْدَ كُلِّ هذِهِ السِّنِين؟!
ما أَكْرَمَكَ يا رَبُّ، ما أَكْرَمَكَ يا رَبُّ...))
فَرَّتِ الدُّمُوعُ مِنْ عَيْنَيْهِ، وَقامَ إِلى وَلَدَيْهِ، حَضَنَهُما وَقَبَّلَهُما وَهُوَ يَصْرُخُ بِفَرَحٍ:
-(( وَلَدايَ أَنْتُما وَلدايَ!))
لَمْ يُصَدِّقِ الْفَلاّحُ ما يَسْمَعُ، وَدُهِشَ النَّاسُ جَمِيعًا، وَأَخَذُوا يَنْظُرُونَ إِلى الأَمِيرِ بِاسْتِغْرابٍ وَتَساؤُلٍ، هَلْ جُنَّ الأَمِيرُ وَهَلِ الْمَيِّتُ يَعُودُ؟!
أَمَّا الفَلاَّحُ فَنَظَرَ إِلى الأَمِيرِ مُتَسائِلاً:
-(( أَوْلادُكَ أَيُّها الأَمِيرُ؟))
فَقَصَّ الأَمِيرُ حِكايَتَهُ عَلى الْفَلاَّحِ وَشَكَرَهُ لأَنَّهُ أَنْقَذَ وَلَدَيْهِ وَحافَظَ عَلَيْهِما، وَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْلِبَ زَوْجَتَهُ وَيَعِيشوا جَمِيعًا فِي الْقَصْرِ، فَهُوَ يَعْلَمُ بِأَنَّهُ مِنَ الصَّعْبِ عَلى الْفَلاّحِ وَزَوْجَتِهِ أَنْ يَفْتَرِقا عَنْ حامِدٍ وَصالِحٍ بَعْدَ كُلِّ هذِهِ السِّنِين.
- ((أَيُّها الْفَلاَّحُ، هَلْ هذانِ الْوَلَدانِ هُما وَلَداكَ؟))
خَغَقَ قَلْبُ الْفَلاَّحِ وَأَجابَ بِخَوْفٍ:
-(( أَجَلْ أَيُّها الأَمِيرُ. هَلْ فَعَلا شَيْئًا أَغْضَبَكَ؟))
-(( لا، لا أَيُّها الْفَلاَّحُ، عَلى العَكْسِ. لَقَدْ أَعادا الْفَرْحَةَ إِلى قَلْبِي، لِذلِكَ سَأَطْلُبُ مِنْكَ طَلَباً أَرْجُو أَنْ تُوافِقَ عَلَيْهِ)).
-((خَيْرٌ أَيُّها الأَمِيرُ، ما هُوَ طَلَبُكَ؟))
-((أَنا، أَيُّها الفَلاَّحُ، كانَ لِي وَلَدانِ وَهُما اليَوْمَ فِي عَمْرِ وَلَدَيْكَ الآنَ، وَذَاتَ يَوْمٍ أَخَذَهُما النَّهْرُ وَلَمْ يَرْجِعا، فَهَلْ تُوافِقُ أَنْ يَبْقَيا عِنْدِي فَتْرَةً مِنَ الزَّمَنِ؟))
-((لا أُريدُ أَنْ أَرْفُضَ طَلَبَكَ أَيُّها الأَميرُ، وَلكِنْ حامِدٌ وَصَالِحٌ أَمانَةٌ عِنْدِي وَلا أَسْتَطِيعُ أَن أُهْمِلَ الأَمانَةَ)). أَجابَ الْفَلاَّحُ بِحَيْرَةٍ.
-((أَمانَةٌ عِنْدَكَ؟!))
سَأَلَ الأَمِيرُ بِتَعَجُّبٍ وَدَهْشَةٍ.
فَقَصَّ الفَلاَّحُ عَلى الأَمِيرِ قِصَّةَ الْوَلَدَيْنِ وَكَيْفَ أَنْقَذَهُما وَحَافَظ عَلَيْهِما حَتَّى يَسْأَلَ عَنْهُما أَحَدٌ، فَهُما أَمانَةٌ عِنْدَهُ.
دَهِشَ الأَمِيرُ وَكادَ لا يُصَدِّقُ ما يَسْمَعُ وَقالَ بِصَوْتٍ أَشْبَهَ بِالصُّراخِ:
-(( هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَحْدُثَ هذا، أَوْلادِي أَمامِي بَعْدَ كُلِّ هذِهِ السِّنِين؟!
ما أَكْرَمَكَ يا رَبُّ، ما أَكْرَمَكَ يا رَبُّ...))
فَرَّتِ الدُّمُوعُ مِنْ عَيْنَيْهِ، وَقامَ إِلى وَلَدَيْهِ، حَضَنَهُما وَقَبَّلَهُما وَهُوَ يَصْرُخُ بِفَرَحٍ:
-(( وَلَدايَ أَنْتُما وَلدايَ!))
لَمْ يُصَدِّقِ الْفَلاّحُ ما يَسْمَعُ، وَدُهِشَ النَّاسُ جَمِيعًا، وَأَخَذُوا يَنْظُرُونَ إِلى الأَمِيرِ بِاسْتِغْرابٍ وَتَساؤُلٍ، هَلْ جُنَّ الأَمِيرُ وَهَلِ الْمَيِّتُ يَعُودُ؟!
أَمَّا الفَلاَّحُ فَنَظَرَ إِلى الأَمِيرِ مُتَسائِلاً:
-(( أَوْلادُكَ أَيُّها الأَمِيرُ؟))
فَقَصَّ الأَمِيرُ حِكايَتَهُ عَلى الْفَلاَّحِ وَشَكَرَهُ لأَنَّهُ أَنْقَذَ وَلَدَيْهِ وَحافَظَ عَلَيْهِما، وَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْلِبَ زَوْجَتَهُ وَيَعِيشوا جَمِيعًا فِي الْقَصْرِ، فَهُوَ يَعْلَمُ بِأَنَّهُ مِنَ الصَّعْبِ عَلى الْفَلاّحِ وَزَوْجَتِهِ أَنْ يَفْتَرِقا عَنْ حامِدٍ وَصالِحٍ بَعْدَ كُلِّ هذِهِ السِّنِين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق